«النزوح العشوائي».. أزمة جديدة تفاقم تداعيات الحرب في لبنان
«النزوح العشوائي».. أزمة جديدة تفاقم تداعيات الحرب في لبنان
أدى تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، والتي راح ضحيتها أكثر من 3100 لبناني، بالإضافة إلى نحو 13800 مصاب، إلى نزوح مئات الآلاف من المواطنين باتجاه العاصمة بيروت وقرى الشمال.
وأدى ذلك التدفق الهائل إلى توزع عشوائي للنازحين في الشوارع والأماكن العامة والخاصة في بيروت والمناطق الشمالية، ما خلق توترات بين النازحين والمجتمعات المضيفة، وسط قلق من أن تؤثر الاختلافات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية على الأمن المجتمعي للبلاد.
محمود، من إحدى قرى الجنوب، نزح مع أسرته نحو بيروت فرارا من المعارك والقصف المستمر على الجنوب.
وقال محمود في حديث مع “جسور بوست”: “بعد اشتداد المعارك أواخر سبتمبر الماضي، أجبرنا على ترك منزلنا والتوجه نحو بيروت من دون أن تكون لدينا خطة حول ما الذي يمكن أن نفعله مجرد أن نصل إلى العاصمة، وعندما وصلنا وجدنا أننا سننام في الشارع، ولكن في وقت لاحق زوجتي وابنتي ذهبتا إلى المدرسة التي تحولت لمركز إيواء، وأنا وابني ننام في سيارتنا”.
ويضيف: “الوضع جدا سيئ، ففي بيوتنا كنا نتعرض كل يوم للقصف، واليوم لا نعرف متى نعود إلى قرانا، بل ونشعر بحزن لأن الناس تتصدق علينا رغم أنهم يعاملوننا بقدر كبير من الاحترام”.
أما آية القبيسي، وهي نازحة من منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، فتقول: "اضطررنا أنا وأهلي لأن نترك بيتنا، رغم أنهم لم يكونوا موافقين على ذلك، بعدما بدأ القصف الإسرائيلي والذي كان قريبا جدا منا".
وتتابع في حديث مع “جسور بوست”: "وصلنا إلى الحمراء (وسط بيروت) وسكنّا في مبنى مهجور، بعد أن أخذنا إذنا من مالكه، المكان غير مريح، ولكن لا نستطيع أن نستأجر منزلا بسبب ارتفاع الكلفة، وما أحزننا أن بعض الناس هنا غير مرحبين وقد سمعنا الكثير من الكلام السيئ ورأينا نظرات غير مريحة، ورغم ذلك، نحن مضطرون للبقاء لأننا لا نعرف متى ستنتهي الحرب ونعود إلى بيوتنا".
بيوتنا مفتوحة للجميع
سارة، من سكان منطقة عين المريسة في بيروت، تتحدث عن تعامل أسرتها مع النازحين، قائلة: "منذ فترة، استقبلنا في بيتنا عائلة من أقاربنا مكونة من 7 أشخاص، لقد هربوا من الحرب في جنوب لبنان ووصلوا إلى بيروت ولم يكونوا يملكون سوى ملابسهم، ورغم أن مساحة منزلنا محدودة، لكن في مثل هذه الأوقات يقال إن بيت الضيق يلم ألف صديق، خاصةً أن أي شخص قد يجد نفسه في نفس الموقف في أي لحظة، وقد يضطر لترك كل شيء خلفه".
وتتابع في حديث مع "جسور بوست": "أغلب الناس في بيروت كانوا مرحبين وفتحوا أبوابهم لمن هربوا من آلة القتل، ولكن لا يمكن أن أخفي أني سمعت عن مواقف سلبية حصلت مع بعض النازحين، ولكن أعتقد أنها مواقف محدودة، وأتمنى أن تبقى كذلك، ولعل لتلك المواقف دوافع سياسية نتيجة ما مر به لبنان في السنوات القليلة الماضية".
تضيف سارة: "من المهم جداً أن نتعامل مع النازحين بكرامة واحترام، لا بالرفض أو الكراهية، نحن جميعاً بشر، ومن واجبنا مساعدة بعضنا بعضاً، إذا لم نساعد بعضنا الآن فمتى سنساعد؟ يجب على الجميع أن يقوم بدوره ويستقبل الذين يعانون، فهذه الأزمة تؤثر علينا جميعاً، ويجب أن نتكاتف لتجاوزها".
الغالبية متعاطفون مع النازحين
في محاولة لفهم رد فعل سكان العاصمة اللبنانية على النازحين القادمين من خارج المدينة، يرى ابن مدينة بيروت، المحامي عبدالرحمن المبشر، أن "ردة الفعل متعاطفة بالأغلب، والكثير من الجمعيات البيروتية انخرطت في أعمال الإغاثة والمساعدة رغم ضيق الحال الناتج عن الأزمة الاقتصادية منذ 2019 وشح الموارد".
ويتابع في حديث مع "جسور بوست"، إنه زار 3 مدارس تؤوي نازحين في بيروت ولاحظ أن "الوضع فيها طبيعي ولا يشكل أي إزعاج، لكنه في الوقت نفسه يكشف أنه تلمس خوفا بين السكان من أن تستهدف إسرائيل بيروت كما حصل في رأس النبع والبسطة (منطقتين في المدينة)، وخوفا من أن تطول الأزمة وتتعطل الحياة الطبيعية ولا يرجع النازحون إلى مكان يمكن أن يعيشون فيه بشكل طبيعي".
وفي تقييم لأداء الدولة منذ بداية أزمة النزوح خصوصا بعد ما جرى من اقتحام لبعض الأملاك العامة والخاصة في المدينة، قال المبشر إنه في "حالة المدارس الخاصة لم تتدخل الأجهزة لمنع خلع أبوابها بالقوة (من قبل قوى أمر واقع يسكنون في بيروت وليس من قبل النازحين) وإدخال نازحين لها.. وأما في حالة المنازل فكانت القوى الأمنية تأتي بعد أن يتم إبلاغها وتخرج الذين دخلوها بالقوة".
وبينما يشير إلى أن سكان بيروت لا يسعون للدخول في أي إشكال مع ما يسمى بقوى الأمر الواقع، يوضح أنهم يطمحون "لأن تقوم الدولة بالتدخل لحل المشكلات وإيجاد حلول طويلة الأجل".
والمقصود بـ"قوى الأمر الواقع" بعض الجماعات السياسية، التي يرى كثير من المراقبين للواقع اللبناني أنها تتمتع بما يسمى "فائض القوة" كونها تمتلك إمكانات عسكرية هائلة، تمكنها من تغيير الوقائع السياسية عبر سلاحها.
لأبناء مدينة بيروت تجربة سيئة مع تلك القوى، حيث استخدمت السلاح في 7 مايو 2008، لتدخل إلى المدينة، ما تسبب بجراح لم ينسها كثير من الناس حتى اليوم.
وعن الواجب على الدولة فعله للحد من الأفعال التي قد تهدد الأمن المجتمعي ولتخفف من حدة أزمة النزوح، يرى المبشر أن اللازم هو "إعلان حالة طوارئ كلية أو جزئية، وتسلم الجيش وتحته كل القوى المسلحة تنظيم الأمور، بالإضافة إلى توزيع النازحين بشكل جغرافي على كامل الأراضي اللبنانية، مما يخفف من الضغط على البنى التحتية والبيئية والصحية في المجتمعات المضيفة".
أرقام رسمية للنزوح
وبحسب أرقام رسمية فقد نزح أكثر مليون و400 شخص من مناطق عدة من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت باتجاه المناطق الآمنة في بيروت ومناطق شمال لبنان.
وينتشر هؤلاء النازحون في مناطق مختلفة وفي نحو 600 مدرسة تم تحويلها إلى مراكز إيواء، وبينما يتخوف النازحون من تركهم بدون مأوى مع بدء العام الدراسي، أكد وزير التربية عباس الجلبي أنه "ليس في ذهننا إخراج نازحين من المدارس في حال لم يتأمن البديل".
يقول الناشط البيروتي والكاتب عامر جلول "نستطيع أن نصف الوضع في بيروت بالصعب لعدة اعتبارات، الاعتبار الأول هو أن المدينة في الأصل متعبة وتعاني من ضعف في البنى التحتية، إضافة إلى وجود ضعف في التماسك الاجتماعي نتيجة لضعف وجود الدولة والفراغ السياسي، وجاءت هذه الحرب وقضية النزوح كي تزيد من كارثة المدينة، إذ إنها غير قادرة على استيعاب أي نازح.. وهناك سبب مهم أيضًا وهو الذاكرة السياسية التي ما زالت جراحها متجذرة، وهذا يزيد من تعقيد المشهد".
ويشير جلول في حديث مع "جسور بوست" إلى أن "المجتمع البيروتي انقسم بين فريق متعاطف وفريق لا يزال يتذكر أحداث الثورة السورية و7 مايو 2008 وممارسات أخرى، وهذا شيء طبيعي ومنطقي، فهذه الأحداث ما زالت حاضرة في الذاكرة السياسية، ورغم ذلك فإن معظم سكان المدينة قاموا بالمساعدة المطلوبة قدر المستطاع انطلاقا من حسهم الوطني والإنساني والديني أيضًا".
ورغم ذلك يكشف جلول أن "جزءا من المجتمع اعترض نتيجة ممارسة بعض النازحين السيئة وغير الناضجة والتي تسيء لكل النازحين"، مضيفا: "علينا ألا نحكم على الجميع بسبب ممارسة البعض، فإذا أخطأ أحدهم فهذا لا يعني أن نحكم على الجميع. نعم هناك غضب على تلك الممارسات لا شك، ولكنها ليست واسعة النطاق حتى هذه اللحظة".
وعن المشهد أول أيام نزوح المواطنين إلى بيروت، يقول جلول، إنه "بالنسبة للتعديات، كان هناك محاولات عدة حصلت ولكن تم احتواء هذه الظاهرة، ولكن قد تزداد بعد أن يبدأ الشتاء والبرد مما يؤدي إلى تصادم بين الناس على المستوى الاجتماعي والجانب الطائفي، وهنا على الدولة أن تتدخل سريعًا وتصنع الحلول الضرورية".
وفي ظل التشنج الحاصل في الشارع يتخوف جلول، من حرب أهلية مبررا ذلك بأن "الخطاب الذي نسمعه من الجميع تقريبًا على المستوى السياسي والاجتماعي قد فاق التصور من حيث التشنج والعصبية والانقسام العمودي الحاصل بين القوى السياسية والاجتماعية أيضًا، وللأسف يسهم الإعلام التقليدي ومواقع التواصل الاجتماعي في حالة التشنج والانقسام هذه، في الوقت الذي يحتاج المجتمع السياسي والاجتماعي إلى حالة من التماسك الوطني، وهو بأمس الحاجة إلى خطاب يجنب لبنان خطورة الحرب الأهلية، وهذا يتطلب من الجميع التحلي بالحكمة المطلوبة لأننا في سفينة واحدة، فإذا غرقت فسوف يغرق الجميع".
وحول الخطوات الضرورية للتخفيف من سوداوية الصورة يعتقد جلول أن “المهمة الأولى للحكومة اليوم هي عملية إيقاف الحرب”.
ويضيف: "ثانيا، لا بد من إقامة مؤتمرات دولية لجلب المساعدات المادية واللوجستية لمساعدة النازحين.. وثالثًا، يجب على الجيش وقوى الأمن الانتشار في الأحياء لتجنب المجتمع اللبناني التصادم الطائفي والتوترات المتزايدة، وأخيرا، تجب مراقبة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والتخفيف من حدة الخطاب السياسي، لأن ذلك يزيد من الأزمة الحالية والانقسام الحاصل الذي هو ليس أفقياً بل عموديا".
وينهي جلول حديثه، محذرا من انقسام لبنان، داعيا القوى الأمنية والسياسية إلى "إدراك هذا الموقف وتجنبه بالطريقة السليمة والصحيحة لتفادي البلاد هذه الأزمة التي قد نقع فيها جميعًا".
خطورة النزوح العشوائي
ووفق بيان مشترك لبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" فإن أكثر من 190 ألف نازح يقيمون حالياً في مراكز الإيواء.
ونتيجة النزوح العشوائي الذي بلغ ذروته في 23 و24 سبتمبر الماضي، حاول آلاف النازحين اقتحام الأملاك العامة والخاصة كالبيوت والفنادق في بيروت، كما افترش بعضهم الآخر الطريق البحري لبيروت.
وبينما تعاملت الدولة مع الكثير من تلك الحالات، ذكَّرت تلك المشاهد بظاهرة "استحلال المنازل" التي عاشها اللبنانيون خلال الحرب الأهلية في البلاد، حيث سكن كثير من الهاربين من جحيم الحرب آنذاك واستوطنوا بيوتا ليست ملكهم لسنوات طويلة.
حماية الشعب وتوفير الأمان
حقوقيا، يرى المحامي والناشط الحقوقي الشريف سليمان أن "الغاية من الدولة هي حماية الشعب وتوفير الأمان والرفاهية له، ونحن كشعب اليوم لا نريد سوى الحد الأدنى، ففي حالة الحروب والأزمات يكون هناك ما يسمى القوة الاستثنائية، ففي مثل الأوضاع الراهنة يكون للإنسان الحق بأن يتخذ كل الإجراءات لكي يحمي نفسه من الموت".
ويضيف سليمان في حديث مع "جسور بوست"، قائلا: "صحيح أن دخول النازحين إلى منزل من دون إذن هو عمل يخالف القانون، ولكن أيضا إبقاء مليون إنسان في الشارع بدون أي مساعدة من قبل الدولة هو عمل مخالف للقانون”.
وعن موقف القانون من التعديات على الأملاك العامة بهدف فتح بعض المصالح التجارية كما فعل بعض النازحين، يقول سليمان: "كإنسان عندما لا أكون قادرا على تأمين لقمة العيش لأولادي فإني سأسحب السيف وسأخرج إلى الشارع، إن من فتح مشروعا على جانب الطريق أو افترش الشارع يرتكب فعلا مخالفا للقانون، ولكن في الوقت نفسه عندما أكون مشردا من منزلي والدولة لا توفر الإغاثة لي ولأطفالي، فبالتأكيد عندها لن أسأل عن القانون.. أي إنني لن أعتدي على أحد ولكن ما سأسعى لفعله هو أن أحصل على قوت يومي من خلال تجارة صغيرة، وصحيح أن هذا مخالف للقانون ولكن المواطن لا يتعمد مخالفة القانون بل إن غياب الدولة وإغلاق المؤسسات يجعله غير قادر على ترخيص مشروعه".
ويعيش لبنان أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019، حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى 90 ألف ليرة لبنانية، مما نتج عنه تراجع في القدرة الشرائية للشعب، الذي بات ما لا يقل عن 44% منه فقراء بحسب تقرير نشره البنك الدولي خلال العام الجاري.
مخاوف من أن تطول الحرب
من جهتها، لا ترى الباحثة في علم الاجتماع، مريم يونس، أن "الاختلافات بين المجتمع المضيف والنازحين تعد ثقافية بالأساس"، مشيرة إلى أنه "في بعض المناطق، لدينا بالطبع اختلافات طائفية ولكن هناك أيضًا العديد من المناطق المختلطة، لذلك لا أعتقد أنه من السهل التحدث عن حاجز واضح ثقافي أو حتى طائفي بين النازحين وأولئك الذين يشكلون المجتمع المضيف".
وتتابع في حديث مع “جسور بوست”: “أعتقد أن العائق الرئيسي أمام التكامل الناجح هو سياق الحرب، لقد تصاعدت هذه الحرب منذ أشهر ولكن العديد من النازحين اضطروا بالفعل إلى مغادرة قراهم قبل ذلك والانتقال إلى الضواحي الجنوبية، لذلك هناك الكثير من انعدام الأمن والتحديات والمخاوف بشأن كيفية تطور الأمور واستمرارها”.
وتتساءل يونس: "إلى متى سيظلون نازحين؟ كيف ستتطور الحرب؟ كيف سيكسبون عيشهم ويرسلون أطفالهم إلى المدرسة، وما إلى ذلك؟ تنعكس هذه المخاوف أيضًا على المجتمع المضيف الذي يشعر أيضًا بالخوف والتوتر بشأن كيفية تطور الأمور. هل ستظل منطقتهم آمنة؟ ماذا سيحدث في لبنان؟".
وعن التداعيات السلبية المحتملة في حال طال النزوح تعتقد يونس أنه "إذا استمرت الحرب لفترة أطول، فمن المرجح أن تزداد التوترات والتحديات لأن الناس سيشعرون بعدم الأمان والخوف بشكل متزايد وستكون للحرب أيضًا عواقب اجتماعية واقتصادية واجتماعية، فقد يتوقف الناس عن العمل، وقد تصبح السلع أكثر تكلفة، ولا يستطيع الأطفال الذهاب إلى المدرسة، ويفقد الناس ممتلكاتهم ومنازلهم وما إلى ذلك، ومن المرجح أن تؤدي هذه الظروف إلى زيادة التوترات بين الناس".
وحول إذا ما كان الحوار سبيلا لسد الهوة بين النازحين والمجتمعات المضيفة، تقول يونس: "لست متأكدة ما إذا كان الأمر يحتاج إلى حوار، لكنه يحتاج إلى تغيير الخطاب بين الساسة ووسائل الإعلام التي تعمل على تعزيز التوترات والتركيز على إلقاء اللوم على الآخر بطريقة عامة ومتعالية في كثير من الأحيان".
وتختتم حديثها، قائلة، "أعتقد أن الطريقة الرئيسية لحل هذه التوترات هي أن تنفذ الدولة أيضاً خطة طوارئ، وتنسق النزوح الداخلي، وتقدم المساعدات الإنسانية، وتمنح الحماية لكل من المجتمع المضيف والنازحين داخلياً، طالما أن الدولة لا تقوم بهذا الدور حقاً، فسوف نحل أزماتنا بطريقة عشوائية وفوضوية تشكل أرضاً خصبة للتوترات والتحديات بين المجتمعات".
الوعي والحوار أساسيان
من ناحيتها، تقول مؤسِسة ورئيسة منظمة "إعلام للسلام- ماب"، فانيسا باسيل، إنه "لا شك أن هناك اختلافات ثقافية كبيرة. خاصة بين المجتمعات غير المعتادة على الاختلاط مع أشخاص من ثقافات مختلفة، أو أديان مختلفة.. وهنا يكمن التحدي، حيث نسأل: كيف يمكن للأفراد والمجتمعات المضيفة أن يتقبلوا بعضهم بعضاً؟ وكيف يمكنهم أن يعيشوا في المبنى نفسه، وفي الحي نفسه، دون أن تحدث توترات بينهم؟".
وتتابع في حديث مع "جسور بوست": “هذا هو التحدي، فرغم الاختلافات الموجودة، ورغم أن كلا الجانبين قد يكونان غير معتادين هذا النوع من الاختلاط، فإنه يجب عليهم أن يعيشوا بسلام ومحبة ويساعدوا بعضهم بعضا، ففي النهاية ليس لدى لبنان سوى سكانه، ونحن مواطنون ومجتمع واحد”.
وتشير باسيل إلى أن "الكثير من اللبنانيين لديهم أفكار مسبقة وصور نمطية، خاصة في الأماكن التي لا يوجد فيها تنوع، فهم غير معتادين رؤية الأشخاص الذين هم من خلفيات مختلفة أو التفاعل معهم، وهذه الأفكار ترجع إلى أسباب عديدة، مثل الحرب، والتربية، والخطاب الإعلامي وغيرها من الأمور، وطبعا هذا موجود منذ زمن، وليس نتيجة للنزوح فقط.. وأما الآن فهم باتوا مجبورين على مواجهة هذا الخوف".
وفي وقت ترى أن الاختلافات السياسية بين المضيف والنازح تلعب دورا أساسيا في المشهد المحتدم في بعض الأماكن، تعتقد باسيل أن الخوف الأمني عنصر أساسي للتشنج "فالمجتمع المضيف لا يعرف خلفيات النازحين، وهذا خوف مشروع، إذ ليس لديهم أي ارتباط بهم، وكأنهم غرباء، فحتى لو كانت تجمعهم الهوية اللبنانية، فقد تثار أسئلة حول خلفية هؤلاء النازحين".
وتتابع: "بينما رفض البعض استقبال النازحين، قام البعض الآخر بالاستفسار عن خلفيات هؤلاء النازحين، وبعد أن اطمأنوا، رحبوا بهم، وهذا مثال عن أنه إذا حصل حوار وتقارب وكُسر حاجز الخوف، تحل المشكلة وتمر الأزمات بدون مشكلات".
وبينما تدعو باسيل المجتمع المضيف لأن "يكون أكثر انفتاحًا وترحيبًا بالنازحين، كونه الطرف المُستقبل"، ترى أن تحصين الأمن المجتمعي يبدأ من التركيز على أهمية "أن يحمي الفرد نفسه من الأخبار غير الدقيقة أو المضللة أو السلبية".
وفي هذا الإطار، تنصح بأن "يسعى الفرد لمتابعة الأخبار من مصادر متنوعة، وليس فقط من وسائل الإعلام التي تتوافق مع آرائه، بل يجب أن يتحلى الشخص بفضول لاستكشاف وجهات نظر أخرى ليخلق شكلا من أشكال التوازن، وأن يكون واعيًا لنوع الأخبار التي يقرؤها"، موضحة أن "الإعلام في لبنان مقسوم ومتحيز، ويعتمد على أجندات سياسية وطائفية".
ودعت باسيل إلى "عدم التأثر بالخطاب السياسي والإعلامي"، مشددة على أنه "في هذا الوقت الراهن لا بد من الاتحاد، بحيث يقف الشعب مع بعضه بعضاً ويضع خلافاته -أياً كانت- جانبا".
تقليص الهوة مفتاح الحل
يرى المدير التنفيذي في مؤسسة "أديان"، ألكسندر آدم، أنه "في ظل السرديات السياسية المختلفة حول أزمة التهجير، وقصور الدور التوجيهي من السلطات اللبنانية في التعامل مع حساسية هذه المرحلة وتعقيداتها، نجد أن المجتمع اللبناني منقسم بين مرحب باستقبال النازحين ورافض له"، ويضيف في حديث مع "جسور بوست": "يرتبط أحد أهم عوامل رفض استقبال النازحين بتصاعد استهداف المدنيين، ما قد يؤدي إلى الانزلاق نحو التعصب، وخطاب الكراهية، وصولًا إلى أعمال العنف لا قدر الله".
وفي وقت يشير إلى أن مؤسسة أديان توفر مساعدات إغاثية للنازحين، يكشف آدم أنه على المستوى الاجتماعي "تعمل (أديان) بالتعاون مع عدد من المدارس لتطبيق منهاج (التوعية على الأمان النفسي والتماسك الاجتماعي خلال الأزمات)، وهو أحد برامجنا الأساسية التي تعزز التضامن بين المجتمعات النازحة والمستضيفة، بالإضافة إلى ذلك، نتعاون مع القادة الدينيين لحماية حقوق النساء والأطفال في مراكز الإيواء".
ويتابع: "على المستوى الإعلامي، تعمل (أديان) على إعداد حملة إعلامية تستهدف مختلف شرائح المجتمع، بهدف التصدي لخطاب الكراهية والأخبار الزائفة، وحث اللبنانيين من جميع الأطراف على التعامل مع تداعيات النزوح وفقًا للقيم الإنسانية والمواثيق الدولية التي تحفظ كرامة الإنسان".
ويكمل: "كما تعمل مجموعة كبيرة من الشباب والشابات من شبكات ومنتديات أديان على الأرض من خلال مبادرات خاصة ضمن مجتمعاتهم، كما تستفيد المؤسسة من أعضائها المنتسبين إلى منتدى المسؤولية الاجتماعية الدينية، الذي يضم عددًا من القادة الدينيين من مختلف المناطق والطوائف، يعمل هؤلاء القادة معًا على تعزيز خطاب التضامن من منطلقهم الديني، ما يسهم في تعزيز الوحدة والتفاهم بين جميع فئات المجتمع".
ويشدد على أن "أحد الجوانب الضرورية هو تأكيد حق الاختلاف السياسي وحرية الرأي، وأن هذا الاختلاف يجب أن يعالج وفق الآليات القانونية والدستورية، وأنه لا يجب أن يؤثر على شعور التضامن الإنساني وممارسته، وضرورة المحافظة على الكرامة الإنسانية لكل متضرر"، مذكرا بأنه "من الضروري نشر قيمة التضامن ومفهوم المواطنة بين الناس من خلال المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، ما يستدعي استحضار الجانب الإنساني والوطني إلى جانب الحقوق والواجبات، وذلك لتعزيز ثقافة التفاهم والتعاون بين جميع شرائح المجتمع".
إجراءات وتدابير استثنائية
وفي وقت سابق، قال وزير الداخلية، بسام المولوي، إن الدولة اللبنانية ترى أنه من "الضروري اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية للتنسيق بين السلطتين الإدارية والأمنية لضمان الأمن في المناطق عامة، وضمان أمن النازحين وضمان أمن المجتمعات الضيفة والمضيفة وضمان أمن مراكز الإيواء، إذ إن النازحين الموجودين فيها وخارجها ينبغي حمايتهم بالوجود الأمني لمعالجة أي خرق أمني قد يحصل".
وأضاف: "نحن نطمِئن المواطنين بعدم حدوث خروقات أمنية، والأحداث التي حصلت عددها ضئيل جدا قياسا بحجم النزوح الكبير، وتتم معالجة كل المواضيع الأمنية سريعا من قبل القوى الأمنية والعسكرية والجيش".
وأشار المولوي إلى أن الجهات الأمنية تعمل على تكثيف الدوريات حول مراكز الإيواء، محذرا من أن "وجود السلاح يؤدي إلى الإشكاليات والأزمات والاحتكاكات بين النازحين والمجتمعات المضيفة".
وأعلنت السلطات اللبنانية مؤخرا عن نقل نحو 4000 شخص من النازحين الموجودين في الخيم على الكورنيش البحري لمدينة بيروت إلى مركز إيواء في منطقة الكرنتينا (ضمن بيروت)، على أن تستكمل قريبا المرحلة الثانية لتأمين نقل بقية النازحين الموجودين على الكورنيش إلى مركز إيواء يجري تجهيزه.